فتحت عيني.. شعرت بالمثانة ممتلئة، وبالانتعاظ الصباحي الإجباري، كانت الغرفة مظلمة ولا صوت هناك، مددت يدي إلى الطاولة المجاورة للسرير، ظللت أتحسس إلى أن أمسكت بالساعة، ألصقتها بوجهي لكني لم أستطع أن أتبين الأرقام، قدّرت أنها مازالت الخامسة، وضعت الساعة مكانها، تجاهلت مثانتي الممتلئة وقررت أن أواصل النوم، شعرت بألم أسفل بطني، أغمضت عيني.
فتحت عيني، كان هناك بصيص من النور يأتي من خصاص النافذة، لم أستطع تجاهل مثانتي هذه المرة، اعتدلت في السرير مستندا عليه بيديّ، أشعر أنني مربوط إلى السرير بخيوط، أتحسس الأرض بقدمي بحثا عن الشبشب، بعد أن ارتديته اكتشفت أنني استبدلت مكان الفردتين، لم أهتم، اتجهت بخطوات ثقيلة إلى الحمام وأنا أترنح كالثمل، أشعر بالألم الصباحي المعتاد في رسغيّ ومرفقيّ، دخلت الحمام دون أن أشعل النور، تبولت، عدت مسرعا إلى السرير قبل أن تضيع سكرة النوم، ارتميت عليه ودفست وجهي في الوسادة، أغمضت عيني..
فتحت عيني، شعرت بقلق مفاجئ، تذكرت أنني نسيت أن أجعل المدير يقوم بتوقيع بعض الأوراق أمس، لا أعرف هل وضعت الأوراق في درج المكتب أم أنني نسيتها في مكان ما، لو ضاعت هذه الأوراق لكانت مصيبة كبرى، حاولت أن أطمئن نفسي، لا أعرف لماذا دائما ما أتذكر أشياء مهمة في هذا التوقيت، أشياء تحرمني من النوم، قررت ألا أفكر في أي شيء، أغمضت عيني..
فتحت عيني، لم أتصل بـ"مها" كما وعدتها، لا بد أنها ستكون غاضبة، كيف لم أتذكر هذا أمس وأتذكره الآن؟ تهددني "مها" دائما بفسخ الخطبة بسبب انشغالي عنها، شعرت بنغصة في قلبي، سأتصل بها من الشركة بمجرد أن أصل، تذكرت أن هاتف المنزل معطل منذ شهر، ذهبت إلى السنترال أكثر من مرة لكنهم لم يرسلوا أحدا لإصلاحه، أعطيت عشرين جنيها لأحد الفنيين ليتفضل عليّ بالحضور لكنه أخذها ولم يأتِ، "أشرف" أخذ مني ألفين من الجنيهات منذ عام على سبيل القرض ولا يريد أن يعيد لي المبلغ، يدّعي أنه متعثر ماليا، خسرت خمسة آلاف جنيه العام الماضي في مشروع فاشل لإنتاج تحف خشبية مازالت في كراتينها أسفل السرير وأعلى الدولاب، لا أعرف أين أذهب بها أو أين أعرضها، أجّرت مساحة في مهرجان السياحة والتسوق العام الماضي دفعت فيها سبعمائة جنيه ولم أبع سوى بثمانين جنيها، لا أعرف للأمر حلا، أحاول أن أنسى لأستطيع النوم، أحطت وجهي بذراعي، أغمضت عيني..
فتحت عيني، كانت الموجودات مغلفة بلون أبيض، دعكت عيني، تعجبت لماذا لم يرن المنبه، التقطت الساعة، مازال أمامي نصف ساعة على موعد الاستيقاظ، أغمضت عيني..
فتحت عيني..
أغمضت عيني..
تذكرت أن السيارة بحاجة إلى تغيير الزيت، فتحت عيني، ضاعت الورقة التي كتبت فيها تاريخ المرة الأخيرة التي غيرته فيها، الإطار الاحتياطي مثقوب وبحاجة إلى تغيير، يجب أن أقوم بتغييره قبل أن أحتاج إليه في وقت ما فأصبح في وضع لا أحسد عليه، أغمضت عيني، عداد البنزين أيضا يحتاج إلى إصلاح..
أيكون مفتاح المكتب الضائع سقط من جيبي؟ فتحت عيني، كنت أرتدي أمس البنطال الزيتي، وهذا البنطال به ثقب في الجيب الأيسر، لعل المفتاح سقط منه، هرشت في ساقي، يجب أن أجد حلا لهذه الإكزيما الجلدية، سأحاول أن أرى طبيبا في أقرب فرصة، المشكلة في الوقت، ليس لديّ وقت، أحاول أن أقلل من ساعات النوم، لكن هذا يجعلني أكثر إرهاقا وأكثر عصبية، ويوما بعد يوم تزداد صعوبة الاستيقاظ، سأحاول أن أستغل الدقائق الباقية في النوم، أحاول مجددا أن أتوقف عن التفكير، أغمضت عيني..
فتحت عيني، أشعر أن وقت الاستيقاظ قد حان، في هذه اللحظة دوى صوت المنبه عاليا ومزعجا كرمح يخترق الرأس، مددت يدي على الفور لأسكت المنبه فاصطدمت يدي به وسقط على الأرض مصدرا صوتا معدنيا مزعجا اختلط بصوت رنينه، نهضت والتقطته من الأرض، ضغطت الزر الذي يجعله يتوقف عن الرنين، شعرت مجددا بآلام رسغيّ ومرفقيّّ، مددت ذراعيّّ على امتدادهما فصدر عنهما صوت طقطقة، توجهت إلى النافذة وفتحتها، أغمضت عيني متألما من شدة الضوء، فتحت عيني نصف فتحة وتطلعت إلى الشارع، لاحظت أن حركة السير أهدأ من المعتاد، أدركت فجأة أن اليوم الجمعة ولا عمل لديّ، عدت إلى السرير واستلقيت عليه، سأحاول أن أعوض النوم القلق بمزيد من النوم، أغمضت عيني.